التطرف.. ظاهرة نفسية (شَبَث بن ربعي.. نموذجا)
(شَبَث بن ربعي.. نموذجا)
كان شَبَث بن ربعي اليربوعي التميمي سيدا من سادات بني تميم، وكان فارسا شجاعا وخطيبا مفوها وشاعرا مجيدا، لكن عيبه الرئيس أنه كان ذا نفسية قلقة، اشتهر عنه: التقلب في المواقف، واسشراف الفتن، والعجلة، وردود الأفعال المتطرفة.
لم يستقر له في السياسة قرار، لا في الجاهلية ولا في الإسلام، فما من فتنة نشبت إلا وكان شَبَث بن ربعي رأساً فيها!.
أسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ثم ارتد في عهد أبي بكر، وصار مؤذنا للكاهنة سجاح، ثم مؤذنا بنبوة مسيلمة الكذاب!.
ثم بعد هزيمة المرتدين، عاد شَبَث إلى الإسلام من جديد، وقدم إلى المدينة مع وفود القبائل التائبة من الردة في عهد أبي بكر رضي الله عنه.
ثم التحق بجيوش الفتح الاسلامي إلى العراق وفارس وأذربيجان في عهدي عمر وعثمان رضي الله عنهما.
ثم لما أطلت فتنة الخروج على عثمان برأسها، كان شَبَث من أوائل المستشرفين لها، وكان أول من أعان على قتل عثمان رضي الله عنه. كما يذكر ذلك الإمام الذهبي.
ثم انشق عن قتلة عثمان، وحاول الانضمام لأصحاب الجمل المطالبين بدم عثمان!، غير أنهم رفضوه، فاعتزل موقعة الجمل.
ثم لما حدثت وقعة صفين، كان شَبَث في على رأس الخوارج الذين خرجوا على علي رضي الله عنه، بعد حادثة التحكيم، وصار شَبَث أول أمير لمعسكر الخوارج في حروراء، وكان يفتخر ويقول: "أنا أول حروري!"
ثم ترك مذهب الخوارج، بعد مناظرة ابن عباس الشهيرة، ودخل في بيعة أمير المؤمنين علي رضي الله عنه من جديد، وقاتل معه الخوارج يوم النهروان!.
ثم لما حصلت فتنة مقتل الحسين، كان شَبَث من الذين راسلوا الحسين وبايعوه ودعوه للخروج إلى الكوفة، ثم انقلب عليه، وصار من قادة جيش ابن زياد، وشارك في معركة كربلاء في قتل الحسين رضي الله عنه!.
ثم ندم شَبَث على فعله هذا، وظل يتحسر طول حياته، وروي أنه قال: "ألا تعجبون أنا قاتلنا مع علي بن أبي طالب وابنه الحسن خمس سنين، ثم عدونا على ابنه الحسين فقتلناه وهو خير أهل الأرض، ضلال ياله من ضلال!".
ثم لما ظهرت فتنة المختار الثقفي في الكوفة بادر شَبَث بالدخول فيها، فكان مؤيدا للمختار في أول الأمر، ثم انشق عنه وغادر الكوفة والتحق بابن الزبير في البصرة، وكان من أشد الناس قتالا للمختار.
ثم بعد انتهاء فتنة المختار، عزله ابن الزبير، وقال عنه: هذا رجل أعرابي لا يصلح لشرطة الناس!
وبهذا العزل انتهت حياة شَبَث السياسية والعسكرية، بعد ستين سنة من استشراف الفتن والمواقف المتطرفة، حتى توفاه الله سنة 70هـ.
إن في مثل قصص هؤلاء لعبرة!.