المرأة اليمنية .. مسيرة نجاح غير مرئية
المرأة مخلوق كرمه الله بإعطائه القدرة على احتضان طاقة الخلق، ومنحه من العاطفة والقدرات والسمات الخلقية ما يمكنه من إداء مهمته المقدسة. فالمرأة عبر التاريخ هي صانعة الأجيال وقادة الأمم، وهي من تنجب افراد المجتمع وتربيهم. ولايوجد وصف أدق لها ولمكانتها ودورها في المجتمع من بيت الشعر الذي كتبه أمير الشعراء أحمد شوقي:
الأمُ مدرسةٌ إذا أعددتها… أعددت شعباً طيب الأعراق
ونحن نحتفل باليوم العالمي للمرأة، دعونا نسلط الضوء على زاوية أخرى عند النظر إلى قضية المرأة، لنتلمس جوهر مظلوميتها والسبيل إلى تحقيق العدالة لها دون الاكتفاء بذكر مآثرها والدعوات السطحية بالمساواة واستعادة حقوقها المسلوبة، والتي تقابلها دعوات متطرفة بتقييدها باعتبارها كائن بشري خلق لخدمة الرجل.
ونتساءل هنا هل هذا المخلوق الذي عهد له بهذه المهمة المقدسة، يمكن أن يكون ناقصا، وأن تسلب حقوقه بدعوى أنه ضعيف، ويحاط بطاقة العيب والعار حَيْثُما حل. ويحق لنا أيضا أن نتساءل، ونحن نعيش في القرن الواحد والعشرين، هل اقفال الأبواب ووضع القيود على المرأة كفيل بحمايتها مع اضطرار كثير من النساء إلى الخروج إلى سوق العمل!. وهل يصدق هذا الوضع في ظل عالم التكنولوجيا وتقدم قنوات ووسائل الاتصال البشري كالإنترنت والهواتف الذكية وشبكات التواصل الاجتماعي التي تخترق بفكرها الأماكن والأزمان !. وهل حرمان المرأة من حقوقها في المشاركة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ووضعها في الأدوار الثانوية يتسق وأدوارها الفعلية في الحياة!.
إن هذا الكون قائم على التوازن " لَا ٱلشَّمْسُ يَنۢبَغِى لَهَآ أَن تُدْرِكَ ٱلْقَمَرَ وَلَا ٱلَّيْلُ سَابِقُ ٱلنَّهَارِ ۚ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍۢ يَسْبَحُونَ "، ولم يخلق الله بشر ناقص، ولكن رجل وامرأة يقومان بأدوار مختلفة، ويؤديان مهمتهما وفق معطيات تركيبتهما الجسدية والعقلية والنفسية بتوازن وحكمة، لتحقيق غاية الخلق وإعمار الأرض.
ويقينا، أن المرأة في عصرنا الحالي لم تعد نصف المجتمع، وإنما تمثل السواد الأعظم من المجتمع كما ونوعا. أدوارها مختلفة وعطاءها عظيم على الرغم من مساوئ البيئة الاجتماعية التي تعيش فيها.
ولا يمكن للمجتمع أن يرتقي إلا بتحرر وارتقاء أكثر فئاته غبناً وحصولهن على حقوقهن الكاملة.
إن إحداث التغيير الحقيقي في حياة المرأة، لن يكون إلا بإحداث تغيير نوعي في الوعي المجتمعي يتجاوز سياق المطالبة بالحقوق المختلفة أو الدعوة إلى تحرر منفلت بحجة التمدّن والانفتاح. ومن المهم الإشارة هنا إلى أنه لا توجد معركة بين الرجل والمرأة، فالإثنان قطبان رئيسيان في دورة الحياة.
إن معركتنا الحقيقية هي في رفع الوعي للأدوار التكاملية للرجل والمرأة في كافة مناحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، وفي تقدير واحترام خصوصية كلا منهما، واحتياجاتهما المختلفة، وفي كيفية اجتثاث بقايا الوعي الجمعي الذي تكاتف في العصور السابقة على استغلال المرأة في الثقافات والسياسات والصناعات والتجارة لجعلها سلعة رخيصة أو مواطنا من الدرجة الثانية.
ولاشك أن المرأة عموما والمرأة اليمنية خصوصا لعبت أدوارا مختلفة، والواقع يعج بقصص النجاح المتعددة لكثير من النساء العاملات في كل الحقول، واللاتي أثبتن جدارتهن، وأثبتن أن نجاح المرأة في تحقيق الاستقلال المادي والاجتماعي ساعد على تحسين حياتهن الشخصية وحياة أسرهن، ولعل تحسين حياة عدد من الأسر سيؤدي حتمًا إلى تحسين الحالة العامة في المجتمع. لقد آن الأوان لتغيير نظرة المجتمع للمرأة وإخراجها من الظل، وتسليط الضوء على النماذج الناجحة، وتمكينها في كافة المستويات في إطار وطن يضمن لها كافة حقوقها الدستورية، ويحقق لها حماية كاملة، ويكفل لها - دون أي تمييز- الفرص الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي تمكنها من الارتقاء بقدراتها وتحقيق ذاتها، ومن ثمّ، القيام بدورها بالتأثير في اتجاه التغيير الاجتماعي إيجابيًا والمساهمة الفاعلة في بناء الوطن.
حكايتنا لم تنتهِ، وفصولها لم تكتمل بعد. ويظل التحدي قائمًا في إطار نضال امتد لسنوات وسيستمر.
كل عام وأنتن بخير.. وكل الشكر والتقدير لجهودكن في جعل هذا الكوكب مكانا جميلا للحياة.