حق الرد في الصحافة والنشر الإلكتروني: إشكاليات قانونية ومعضلات الإجراء
يُعد حق الرد والتصحيح أحد الضمانات القانونية الأساسية التي كفلها قانون الصحافة والمطبوعات اليمني لحماية الأفراد والجهات من الأضرار التي قد تلحق بهم نتيجة التناول الصحفي غير الدقيق أو المسيء. ومع ذلك، فإن الممارسة الفعلية لهذا الحق تواجه تحديات كبيرة، لا سيما في ظل قصور القانون القائم عن استيعاب تطورات النشر الإلكتروني، وهو ما أدى إلى ثغرات قانونية وإجرائية تعيق تحقيق العدالة الإعلامية بشكل سليم.
الإطار القانوني لحق الرد وفق قانون الصحافة والمطبوعات
جاءت النصوص القانونية المنظمة للعمل الصحفي لتؤكد أن لكل شخص أو جهة تتناولها الصحافة أو الإعلام حق الرد أو التصحيح بنفس المساحة والوسيلة، لضمان تحقيق التوازن الإعلامي ومنع الضرر غير المبرر. ورغم أن هذه الأحكام تنطبق نظريًا على وسائل الإعلام التقليدية، إلا أن القانون لم يتم تحديثه ليشمل بوضوح النشر الإلكتروني ووسائل الإعلام الرقمية، مما خلق فجوة في التعامل مع قضايا التشهير أو النشر غير الدقيق عبر الإنترنت.
المعضلة القانونية في تطبيق قانون العقوبات والإجراءات الجزائية على قضايا النشر
في ظل غياب تحديث قانون الصحافة والمطبوعات ليشمل النشر الإلكتروني، لجأت النيابة العامة إلى تطبيق نصوص ومواد قانون الإجراءات الجزائية وقانون الجرائم والعقوبات في القضايا المتعلقة بالنشر، مما أدى إلى خلل قانوني جوهري. فبدلًا من اتباع الإجراءات الخاصة بالصحافة، يتم التعامل مع قضايا النشر وفقًا لقواعد عامة قد لا تتناسب مع طبيعة الجرائم الصحفية، خاصة عندما يتعلق الأمر بالتشهير أو التصرف غير المشروع في البيانات الشخصية للأفراد دون إذنهم، كما حدث في بعض الحالات التي قامت فيها جهات رسمية بنشر تصريحات تتعلق بأفراد دون مراعاة ضوابط النشر أو حق الرد.
إشكالية تجاهل الجهات لحق الرد: بين الجهل والتعمد
تجاهل الجهات المعنية لحق الرد قد يكون ناتجًا عن أحد سببين رئيسيين:
1. الجهل بالقانون: حيث تفتقر بعض الجهات إلى الفهم القانوني الصحيح لحق الرد كضمانة أساسية للأفراد والجهات التي تتناولها وسائل الإعلام.
2. التعمد لتجنب المسؤولية: في بعض الحالات، ترفض الجهات ممارسة حق الرد حتى لا تضطر إلى الاعتراف الضمني بمسؤوليتها عما نُشر، أو لعدم الرغبة في إعادة تسليط الضوء على القضية.
التداخل بين القوانين وضرورة التحديث التشريعي
يؤدي غياب نصوص واضحة تنظم النشر الإلكتروني إلى تضارب الإجراءات القانونية، حيث تعتمد النيابة العامة في بعض الحالات على نصوص قانون العقوبات، رغم أن الأصل هو تطبيق قانون الصحافة والمطبوعات كقانون خاص. هذا التداخل بين القانونين أوجد إشكاليات قانونية عميقة، منها:
معاقبة الصحفيين وفق قوانين جنائية لا تأخذ بعين الاعتبار طبيعة العمل الصحفي.
تجاوز مبدأ القانون الخاص يقيد العام، حيث يتم تفعيل نصوص قانون العقوبات بدلاً من قانون الصحافة.
عدم وجود معايير واضحة لحماية البيانات الشخصية ومنع إساءة استخدامها في التصريحات والنشر العام.
نحو بيئة قانونية أكثر عدالة للإعلام والنشر الإلكتروني
إن استمرار العمل وفق قانون الصحافة والمطبوعات القديم دون تحديثه ليشمل وسائل الإعلام الرقمية والنشر الإلكتروني أدى إلى حالة من الارتباك القانوني، مما يستوجب مراجعة شاملة لهذا القانون وإدخال تعديلات جوهرية تأخذ بعين الاعتبار التطورات الحديثة في الإعلام. كما أن الالتزام بالإجراءات القانونية الخاصة بالنشر، والحرص على ممارسة حق الرد والتصحيح، هو أمر ضروري لضمان عدم استغلال الإعلام كوسيلة للإضرار بالأفراد أو المؤسسات دون منحهم فرصة عادلة للدفاع عن أنفسهم.
يجب على الجهات الإعلامية والمؤسسات الرسمية احترام حق الرد كحق قانوني أساسي، مع ضرورة مراجعة القوانين المنظمة للنشر بحيث تشمل الصحافة التقليدية والإعلام الإلكتروني بشكل أكثر دقة. كما أن تصحيح الإشكاليات القانونية الناجمة عن تطبيق قوانين العقوبات والإجراءات الجزائية على قضايا النشر أصبح أمرًا حتميًا لضمان بيئة إعلامية عادلة، تُراعي حقوق الصحفيين وتحمي الأفراد من الأضرار الناجمة عن النشر غير المسؤول.
**محام ومدير الدائرة القانونية للمكتب التنفيذي نقابة الصحفيين والإعلاميين الجنوبيين ـ عدن .