الوحدة اليمنية وفك الارتباط

منبر عدن - خاص

لقد شكّل إعلان فك الارتباط في 21 من مايو 1994، حلًا سريعًا وجذريًا لفشل مشروع الوحدة اليمنية، الذي كان من الممكن أن يجنّب الشمال والجنوب حروبًا وصراعات مستمرة منذ أكثر من 30 سنة.
فك الارتباط هو ما كان يجب أن يتم مبكرًا لتجنّب دوامات الصراع والانهيارات الاقتصادية والأمنية التي عصفت بالبلاد. لكن النية المبيّتة من قبل قادة اليمن الشمالي لاحتلال دولة الجنوب كانت مخططة منذ توقيع مشروع الوحدة.

حيث تسببت تلك النوايا الهمجية، ونظرة اليمن الشمالي وقادته وأحزابه وقبائله، وحتى مثقفيه، لمشروع الوحدة اليمنية على أنه فرع عاد إلى الأصل، في تحويل الوحدة إلى نهب وغنائم وتدمير واغتيالات وجرائم، لا تسقط بالتقادم.

اليوم، في ظل الحروب المستمرة والصراعات داخل اليمن الشمالي، لم يعد من مخرج من الفوضى إلا باستعادة دولة الجنوب وإنهاء تلك الوحدة الفاشلة. لعزل الجنوب أولًا وتحقيق الاستقرار فيه، ومن ثم يمكن أن يكون منطلقًا لإحداث استقرار في اليمن الشمالي.

إن السلبيات التي رافقت "الوحدة اليمنية" يجب أن توضع في موضع التقييم الصحيح، وتحليل دقيق وصادق للوضع الراهن، حيث يمكن للقارئ ألّا يرى في الوحدة اليمنية، بمفهومها ومشروعها السياسي، أي نجاح أو إنجاز تحقّق للشعب، حتى على المستويات الدنيا. ولو كانت كذلك، لما وصلت الحالة إلى ما هي عليه اليوم، والتي يراها الجميع جليًا بأنها مرحلة انهيار تام وشامل وضعت الشعبين في الشمال والجنوب على حافة الهاوية، وصراع دموي مستمر، وانقسامات متواصلة، تكمن خطورتها على كافة الاتجاهات والأصعدة السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية.

لقد انتهت الوحدة اليمنية فعليًا منذ إصرار صنعاء على موقفها واستمرارها في القضاء على ما تبقّى من شكل لاتفاقيات الوحدة اليمنية، ونقض كل الاتفاقيات، وإصدار الفتاوى التكفيرية وتحليل دماء شعب الجنوب، ومن ثم الغزو العسكري على الجنوب واحتلال دولته عام 1994م، ثم انتهاج الشمال سياسة التدمير والقضاء على كل ما له صلة بدولة الجنوب، واعتباره "فرعًا عاد للأصل".
ونهب كل ممتلكات ومكتسبات دولة الجنوب وشعبها، واعتبارها غنيمة حرب، ومعاملة الشعب الجنوبي على أنه أقلية ومن درجات مواطنة متأخرة.

كما خطط نظام الشمال وأحزابه بسعي حثيث لإجراء طمس كامل لهوية شعب الجنوب، وتغيير "ديموغرافيته"، وهذه بحد ذاتها جريمة عظمى ودليل على تصفية الوحدة اليمنية.

إضافة إلى ممارسات مشينة استعمارية حاقدة، أي ممارسة صنعاء لدور المنتصر على المهزوم، وفرض عنصرية عرقية وثقافية واجتماعية مرفوضة، ومحاولة اجتثاث تاريخ الجنوب وأجياله السابقة وثقافته المتقدمة وقيمه وأنظمته المتطورة.

سقطت الوحدة اليمنية فعليًا وانتهت، وهناك اعترافات كثيرة لقيادات من الصف الأول في اليمن الشمالي بفشل تلك الوحدة وتحولها إلى استعمار. وقد جاء ذلك على لسان عدد من قيادات الدولة الموحدة، أبرزهم القائد العسكري الكبير علي محسن الأحمر، في خطاب رسمي ألقاه عام 2011، أثناء خروج الشعب لإسقاط نظام علي عبدالله صالح فيما سُمّي بثورة الربيع العربي.

كما أكّد الحوار الوطني اليمني عام 2013 فشل الوحدة وتحويل البلد إلى أقاليم.
وهنا يمكن التأكيد أن ما ذهب إليه "حوار صنعاء"، الذي انطلق في 18 مارس 2013م وتجاوز مدته المحددة بأشهر نتيجة تعقيد "قوى صنعاء" ورؤيتها الرافضة للاعتراف بـ"القضية الجنوبية" كقضية واقعية، حال دون الإفصاح بشكل واضح عن الحلول الجوهرية لتلك القضية. لكنه أكّد، وبشكل صريح، فشل "الوحدة اليمنية الاندماجية" القائمة منذ 22 مايو 1990م، وقام بإسقاطها نهائيًا، وتحويلها إلى "دولة اتحادية" بموافقة كافة أطرافه الشمالية، والخروج برؤية لتقسيم "اليمن الموحد" إلى "ستة أقاليم – 4 في الشمال، و2 في الجنوب"، رغم عدم مشاركة ممثلي الشعب الجنوبي فيه، ومشاركة بعض الأفراد الجنوبيين المحسوبين على أحزاب يمنية، بعد مقاطعة مكونات الجنوب والحراك الجنوبي السلمي للحوار اليمني بشكل كامل.

من هنا، فإنه لا يمكن لأي سياسي واقعي ومنصف أن يرى إنجازًا حقيقيًا للوحدة اليمنية، إلا (وحدة جغرافية) أزالت الحدود والبراميل بين الدولتين وفتحت حرية التنقل والسكن للشعبين. وهذه، من منطلق واقعي، ليست وحدة، بقدر ما هي أشياء طبيعية يجب بقاءها واستمرارها حتى بعد استعادة الدولتين لمكانتيهما المستقلتين.

ولهذا، فإن استعادة استقلال دولة الجنوب من خلال (فك ارتباط – أو تقرير المصير) يجب أن يكون واقعًا لتلافي أخطاء الماضي وعدم تكرارها، وقد بات شيئًا ملحًا ومن مصلحة الشعبين في الجنوب والشمال، لأن الحقائق الموضوعية والأسباب التاريخية والظروف الحالية بعد حرب 2015 أصبحت أمرًا واقعًا وتحتم إنهاء تلك الوحدة اليمنية، وعودة دولتي الشمال والجنوب لوضعهما قبل تلك الوحدة الفاشلة، بل إنها صارت أمرًا موضوعيًا من أجل حماية أمن المنطقة العربية، والأمن والسلم الدوليين.

مقالات الكاتب