حضرموت و«موسم البلدة»: هل يعالج الماء البارد المرض؟

منبر عدن - متابعات

تُعد المياه الباردة جزءاً لا يتجزأ من الطب الشعبي البديل بالنسبة لكثير من الناس على مستوى العالم، فهي تستخدم أحياناً لغرض العلاج من بعض الأمراض لاسيّما الجلديّة. ومع ذلك، لا يوجد تفسير علمي واضح لفوائد الاغتسال فيها حتَّى الآن.

 

وفي محافظة حضرموت، جنوب اليمن، التي تطل سواحل عاصمتها المكلا على بحر العرب، يعتقد كثيرون أنّ مياه البحر في توقيت زمني معين، تصبح ذات قدرة إلهية خارقة في الشفاء من بعض من الأمراض؛ بفعل ارتفاع درجات البرودة. ويطلق أبناء حضرموت على هذا التوقيت الذي يأتي في منتصف شهر يوليو/ تموز من كل عام "موسم البلدة".

 

الأستاذ محمد الفضلي، وهو من أبناء المدينة القدماء، شرح لـ «سوث24» سرّ هذه التغيرات التي تتأثر بها سواحل المكلا سنوياً. وقال الفضلي: "ترتكز درجة برودة مياه البحر على كل أجزاء سواحل محافظة حضرموت؛ بسبب دفع الرياح الموسمية بالأمواج العنيفة القوية. يؤدَّي ذلك إلى الدفع بالمياه الباردة الكامنة في أعماق المحيط إلى السواحل بالمحافظة".

وأضاف: "لولا الرياح الشمالية الشديدة، لما كان البحر بارداً على السواحل، وقد لوحظ أنّه إذا توقفت الرياح التي تدفع بالأمواج العاتية الى الساحل، فإنَّ البرودة تتراجع في بعض أيام موسم البلدة، وكل ما استمرت الرياح كانت البرودة شديدة".

 

وتصل درجات البرودة في سواحل المكلا، خلال موسم البلدة، إلى نحو 12 درجة مئوية، وفقاً لما قاله مختصون لـ«سوث24». ويعتبر البعض هذا الأمر غير اعتيادي وفيه خصائص علاجية لا يمكن الاستفادة منها باقي العام.

 

 ويقول مثل حضرمي شعبي: "الماء البارد حجامة سنة"، ويقصد بهذه المقولة أنَّ الاغتسال بالماء البارد يعادل الحجامة [العلاج الشعبي عن طريق سحب وتسريب الدم عن طريق استعمال الكؤوس] طيلة عام كامل. ومع ذلك فإنَّ هذه الخصائص العلاجية تبدو للبعض الآخر، مجرد جوانب وعوامل نفسية فقط.

 

فوائد الاغتسال 

وحول فوائد الاغتسال في المياه الباردة، يقول الدكتور أديب بجاش، اختصاصي أمراض الجلد والتجميل لـ«سوث24»: "بالفعل هذه الأنواع من المياه لها فوائد كثيرة. وأضاف: "لقد لاحظنا تغيرات على بعض مرضى الجلد، وهناك حاجة إلى إجراء المزيد من الأبحاث؛ لفهم تأثير الماء البارد على جهاز المناعة ولمعرفة هل هذه النتائج بسبب البرودة في الماء أم بسبب التركيبات في الأملاح".

وأشار بجاش إلى أنّ "الأسباب التي تجعل من الاغتسال في الماء البارد خلال موسم البلدة في المكلا وسيلة تعالج الأشخاص من الإصابة ببعض الأمراض لا تزال غير واضحة".

 

ووفقاً له، "تشير بعض الدراسات إلى أنّ بعض المياه الباردة تعمل على تغيير في درجة حرارة الطبقة الأولى للجلد. وهذا يغير من تكوين بعض الأمراض. والتغير في درجة الحرارة يؤدي إلى تغيير تركيب المرض".

 

وأوضح بجاش أنَّ "بعض الأمراض تحتاج إلى درجة حرارة معينة على الجلد لتبقى نشطة، وانخفاض البرودة عند التعرض إلى مياه باردة لا يناسب الفيروس، وبالتالي تعمل على قتله. لذلك يتم استخدام البرودة للقضاء على بعض الأمراض".

 

ولفت إلى أنّ "هناك أمور لا تزال غير مفسّرة. فمثلما نشاهد في روسيا، يمارس البعض الاغتسال في مياه باردة جداً، ومع ذلك لا يعرف الروس أنفسهم، إلى حد الآن، لماذا تظهر نتائج جيدة لذلك على بعض الأمراض الجلدية رغم أنه لا يوجد سبب علمي واضح". 

وفي تقديره، قال الاختصاصي: "لن يكون العلاج سريعاً، كما أنّه قد لا يدوم بسبب الابتعاد عن هذه المياه. وبالنسبة لبعض الأمراض الأخرى، مثل: الصدفية، التي لا يوجد لها علاج نهائي حتى الآن في العالم، لا تنتهي؛ لكن يمكن أن يتحسن أداء الجسم في مقاومتها".

وأوضح بجاش أنَّه "مع ذلك، يظهر على مصابي الصدفية تحسن واضح". وأضاف: "لقد لاحظت ذلك عند بعض الحالات. وبالنسبة لمرض البرص فقد لاحظنا تحسن لدى المرضى عندما يتعرضون للمياه الباردة، لكن لا نعلم هل ما إذا كان ذلك بفضل المياه الباردة أم عوامل أخرى".

 

 "ربما يكون الاغتسال بالماء البارد بالفعل مُفيداً إلى حدّ كبير"، قالت نجلاء صقران، استشارية الأمراض الجلدية والتجميل بالليزر لـ "سوث24". وأضافت: "وربما قد لا يكون كذلك. لكن من يجرب، لن يخسر شيئاً. أنا أؤمن بالعلاج العربي والتقليدي، وقد وردت فوائد الاغتسال بالماء البارد في القرآن".

 

الأمراض التي يخففها الماء البارد 

وحول الأمراض التي يخففها الماء البارد، قال الدكتور بجاش: "يلعب الماء البارد دوراً في علاج أو على الأقل تخفيف آثار أمراض الصدفية، وبعض الأمراض التي تتأثر بالحرارة والبرودة، مثل: الفطريات".

 

وأضاف: "لوحظ تحسن كبير أيضاً على مصابي الأمراض الفيروسية، مثل: الجداعة والحزام الناري، الذين تعرضوا لمياه باردة. وكما هو معروف، فإنّ أي اختلال في درجة الحرارة، قد يؤدي إلى تحسن في المشكلة الجلدية عند الشخص والقضاء على الفيروس".

 

وعلى عكس ذلك، رأت الدكتورة صقران أنّ "المياه بمختلف أنواعها لها مضاعفات خطيرة على بعض الأمراض ذات الجروح المفتوحة، مثل: الجداعة".

 

وأضافت: "بعد الاغتسال، لن تكون المشكلة في الجداعة بل في مضاعفاتها. أنصح بشدة بعدم تعرض أصحاب هذه الأمراض للمياه بشكل عام".

 

وبالنسبة للبروفيسور خالد بلخشر "لا شكّ أنّ الاغتسال بالماء البارد مفيد. لأنّ المياه الباردة تنشّط الدورة الدموية، وهناك علاقة ما بين المفاصل والبرودة، ومياه البحر جيدة لآلام المفاصل، كما يقال".

لكنّ بلخشر اعتبر أنّ المسألة من المحتمل أن تكون "نفسية". وقال لـ«سوث24»: "يُعتبر الذهاب إلى البحر نشاطاً عاماً، فالإنسان يخرج مبكراً ويستنشق هواءً نقياً ويمارس المشي، وهذا سلوك إيجابي في حد ذاته، يُعزز الصحة الجسدية لدى الإنسان، والنفسية عندما تطمئن تستجيب للجسد".

 

واتفق الفضلي مع البروفيسور بلخشر في ذلك. وقال لـ«سوث24»: "أنا أرى أنّ الانتعاش الذي يُشعر به عند الاغتسال والتمتع ببرودة البحر، هو بحد ذاته شفاء نفسي، والشعور بالراحة يعطي لحظات المتعة، ويشعِر الانسان انه في أتم الصحة والعافية".

 

وأضاف الفضلي: "للأسف لا أعرف أن الاغتسال عالج بعض الأمراض، لكنه وإلى حد ما يشفي الجروح؛ لما فيه من ملوحة فقط. لم أقف شخصيا على مصداقية أنّ الاغتسال خلال موسم البلدة، عالج أنواع مختلفة من الأمراض".

 

تركيبة مائية متميزة 

وحول تميز بعض المياه عن غيرها، قال بجاش: "هناك بعض المناطق ذات المياه المعدنية تكون نسبة الأملاح فيها مختلفة عن الطبيعي. هذا بالفعل، يلعب دوراً كبيراً في تحسن تركيب البشرة، في مقاومتها والقضاء على بعض البكتريا والفيروسات والفطريات أيضاً".

وأضاف: "هذه عوامل تجعل الجلد يتحسّن أولاً من مقاومته للفيروسات والبكتيريا؛ وبالتالي تحسّن عمله في مقاومة الأمراض. إضافة إلى عملية تبادل المواد ودخول أملاح صحية إلى الجسم، تحفز الخلايا على العمل بشكل أفضل من ناحية مقاومة الأمراض".

 

وتابع: "ننصح أصحاب الأمراض الجلدية بالاستفادة من هذه المياه لما فيها من فوائد طبية سواء كانت بدرجة البرودة المنتظرة أو لنوعية الملوحة الموجودة في هذه الفترة".

 

ويرى أمين محمد الهجري، وهو ممارس للعلاج بالطب البديل والتكميلي في المكلا، أنَّ الاغتسال في موسم البلدة بحضرموت بالفعل أسهم في علاج بعض الأمراض. 

 

وقال لـ "سوث24": "علاوة على شفاء وتحسن عدد من الأمراض، مثل: الأمراض الجلدية، الروماتيزم، الآم المفاصل، أمراض الحالات النفسية، الدماغية، مثل: الجلطة والشلل الربعي، ساهم الاغتسال خلال موسم البلدة في التخفيف من أعراض الاكتئاب ".

 

وتابع "ترسل المستقبلات الحسية التي ينشطها الماء البارد، كمية هائلة من النبضات الكهربائية إلى الدماغ، وربما يكون لهذه العملية تأثيرات مضادة للاكتئاب على المرضى، وذلك بسبب الكثافة العالية للمستقبلات لدى الإنسان".

 

واستدلّ الهجري بقدرة الماء البارد في الشفاء من بعض الأمراض، بآية ذكرت في القرآن الكريم، خاطب الله فيها نبيه أيوب عندما كان يعاني من مرض جلدي، في قوله ﴿ارْكُضْ بِرِجْلِكَ ۖ هَٰذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ﴾ "سورة ص:42".

*سوث24| عبد الله الشادلي