ما معنى "طي صفحات الماضي"
من الذي سيطوي صفحات من؟ ومن أين يبدأ الماضي الذي يراد طي صفحاته؟ وأين ينتهي؟
عبارة (شبه الجملة) "طي صفحات الماضي" وردت كثيراً وفي الماضي القريب وكانت آخر مرة استخدمت فيها في العام 2014م، ويتذكر الجميع أين ومتى ومع من جرت، وقد اعتقد كثيرون ومنهم كاتب هذه السطور أن صفحات الماضي قد طويت، لكن ماضٍ جديد بدأ مباشرة في اليوم التالي، وقد فتح آلاف الصفحات التي لا أحد يعلم متى ولا كيف ستطوى.
"طي صفحات الماضي" عبارة زئبقية مطاطة خادعة لا يستطيع أحد أن يقول ماذا تعني ولا كيف يتم الطي ولا بأي اتجاه؟ ولا ماذا سيطوى وماذا سيتبقى بدون طيٍّ؟
وبعبارة أخرى، في ظل الماضي المكتظ بالمظالم والجرائم والصفحات السوداء، وما أنتجه كل ذلك من ضحايا ومظلومين وقتلى وشهداء ومعوقين ومنهوبة أملاكهم، ومقصية حقوقهم، وهؤلاء يعيشون هذه الوضعية منذ ثلاثة عقود ونيف وبعضهم منذ أكثر من أربعة عقود، كيف ستتم عملية طي صفحاتهم؟
الماضي الذي يراد طي صفحاته كان مليءً بالثنائيات المقيتة: ثنائيات الظالم والمظلوم والقاتل والمقتول والناهب والمنهوب والقاصي والمقصي والساحق والمسحوق والغازي والمعزوة أرضه والمحتل وصاحب الأرض المحتلة،.. فكيف ستطوى كل هذه الصفحات السوداء، خصوصاً وأن الظالم والقاتل والناهب والغازي والمحتل ما يزال هو المتحكم في المشهد، وهو من يدعو إلى طي صفحات هذا الماضي الأسود؟ هل بطريقة "عفا الله عما سلف" وعلى الضحايا أن يلعقوا جراحهم ويقبلوا جبين من قتل أهلهم ونهب حقوقهم وغزا أرضهم واحتل ديارهم ودمر مستقبل أبنائهم وبناتهم وأحفادهم وحفيداتهم؟
جرائم الماضي (الذي يراد طي صفحاته) تتدرج بين النهب والسلب حتى القتل والتدمير، بما في ذلك تدمير الدولة، فإي من هذه الجرائم يمكن طي صفحتها وكيف؟؟
إنني أتحدث عن مظالم الماضي عامة ولا أتحدث عن الجنوب وحده وهو الضحية الأكبر في كل هذا الماضي، وهنا أتساءل: كيف ستطوى صفحات اغتيال الشهيد ابراهيم الحمدي وأخيه؟ وكيف ستطوى صفحة تصفية الشهداء عيسى محمد سيف ورفاقه؟ وكيف ستطوى صفحة قتل الشهيد صالح أبوبكر بن حسينون ورفاقه من ضحايا حرب 1994م ومثلها صفحات الضحايا عبد العزيز عبد الغني وشهداء جمعة الكرامة، وآلاف الضحايا على مدى خمس سنوات من الحراك السلمي الجنوبي؟ وقبلها ضحايا السلب والنهب والتهميش والإقصاء والقتل والاغتيال في الجنوب منذ 1994م حتى اليوم؟
أعرف أن هناك من سيمتعض من هذه الأسئلة لكنني أؤمن أن القفز على هذه الأسئلة لن يكون إلا شيئا مما يسميه البعض بـ"الكلفتة السياسية" وبمعنى آخر كأنَّ صانعي هذا الماضي البغيض يقولون لضحاياهم:
"اسدلوا الستار على جرائمنا وانسوا مظلومياتكم ولا تطالبوا لا بالتعويض ولا باجتثاث أسباب الجريمة، ولا بمحاسبة المجرمين، وإلا استعدوا لجرائم أكبر منها وأشد سوءً"
وللحديث بقية