الكارثة بمصير فتات الراتب وليست طريقة صرفه!
ماتزال تبريرات وزارة المالية لقرارها الانفرادي بتحويل صرف مرتبات الموظفين الحكوميين عبر البنوك، باعتباره ضمن الاشتراطات الخارجية لمصفوفة إصلاحاتها الاقتصادية وشرطا من السعودية لتسليم منحة الملياري ومائتين مليون دولار، تثير حالة من الرفض المستميت لدى أكثر من مؤسسة حكومية بعدن وخاصة هيئات ونقابات التربية والتعليم التي يتذرع ممثلوها بوجود بدائل وعمليات إحلال معلمين بدل اخرين منقطعين، لتغطية العجز وحاجة الكثير من المدارس لمعلمين، واستغرب شخصيا من رفض القرار بحجج كهذه، كون الإجراء جاء اساسا لتصحيح مثل هذه الاختلالات لكنهم واخرين معهم دافعوا على موقفهم هذا بحجج عدة، منها ان الفساد الحكومي والتصحيح الوظيفي لايمكن أن يبدأ بفتات راتب الموظف الأضعف، وإنما يجب أن يبدأ من المالية نفسها وإيقاف صرف الأزدواج اولا بمرتبات كبار المسؤولين ممن يستلمون رواتبهم باليمني من الخدمة المدنية ورواتب أخرى بالدولار لا تقل عن 3 آلاف دولار للمدير العام إلى 5 الاف دولار لوكيل الوزارة، عبر كشف وكيل وزارة المالية باجنيد بمكتب مالية الرياض المستقلة، وبكشف ورقي غير خاضع لاي جهة رقابية، يستلم فيه أكثر من 80مليون دولار شهريا من عوائد النفط بحساب الحكومة في البنك الأهلي السعودي، وهي مبالغ قد تصل لأكثر من إجمالي مرتبات القطاع المدني اليمني عموما بالمناطق المحررة على الاقل، اذا ما كان هناك فعلا اي توجه للتصحيح ومحاربة الفساد المالي والإصلاح الاقتصادي الوظيفي وانهاء الأزدواج
والكارثة الأخطر بتقديري ليس بقرار تحويل صرف فتات مرتبات الموظفين عبر البنوك، كون ذلك إجراء طبيعي لصالح الدولة والموظف بالأول والأخير ومعمول به في أغلب دول العالم، اذا ما احسنت النوايا الوطنية في تنفيذه.. لكنه حق اريد به باطل بالنسبة لنا في بقايا بلد دمرته الحرب وقضت على كل مقوماته المالية والمصرفية، واصبحت بنوكه كلها بفعل الواقع الاقتصادي والمصري المنهار ، غير مؤهلة فعلا ومنطقا للقيام بهذا المهام بوضعها الحالي ووفق منطق السهولة واليسر والسرعة التي هي المعيار الذي من حق الموظف ان يحصل عليها في الأصل عند تسلم راتبه ..
وبالتالي فإن اشتراط القرار الحكومي لوزارة المالية، بان تكون البنوك المختارة للصرف المرتبات (بنوك مؤهلة) للقيام بالمهمة، يفتح باب الطعن فيه من أوسع الأبواب، اذا ما أردنا تقييم واقع البنوك وانتشار فروعها وخدماتها التقنية وتسهيلاتها العطلة إمكانياتها المالية للصرف حتى قبل تعزيزها من البنك المركزي، كونها تثق بدولة وقعت معها عقد صرف رواتب موظفي الدولة بالأول والأخير وعليها تقديم تسهيلات للموظف والحكومة بهذا الجانب على حد سواء.
واستباق التعزيز المالي من البنك المركزي في حال تأخره.
ولذلك فإن الكارثة الأكبر ليس بقرار صرف المرتبات عبر البنوك، كونه قرار صائب من الناحية القانونية والمعاملة المفترضة بأغلب دول العالم.. ولكنه قرار غير مدروس ويحتاج إلى إصلاح وتقييم ومعالجة كثير من المشاكل المترتبة عليه في هذا الوقت بالذات
ووضع اشتراطات ملزمة على البنوك لمنح تسهيلات واعادة تأهيل موظفي الخدمات والصرافين لديها وزيادة عددهم وساعات دوامهم خلال أيام صرف المرتبات لتسهيل مهمة استلام الموظفين لرواتبهم بسهوله وبعيدا عن التزاحم والاعذار المعتادة بتعليق النظام وعدم وجود سيولة وتعزيز من البنك المركزي او انتهاء السيولة وغيرها من الأعذار التي تؤكد عدم جاهزية وأهلية البنوك لمهمة صرف رواتب فقدت اساسا 70- 80٪ من قيمتها الشرائية ويفترض صرفها بأكبر مستويات التسهيل تقديرا لحالة الموظف ونفسيته المدمرة معيشيا ونفسيا.
ولكن قبل كل هذا.. يجب معالجة الكارثة الأخطر المتمثلة بعدم قانونية قبول الحكومة باستلام منحة سعودية مشروطة بتحويل المرتبات عبر البنوك لتسليمها منحة المليار والمائتي مليون دولار لتمكينها من صرف المرتبات، كون ذلك يعد مخالفة قانونية تنتهك ماتبقى من كرامة للموظفين وسيادة للبلد عموما
وبالتالي يمكن أن تصبح هذه المرتبات عبارة عن معونات ومساعدات بفعل الامر الواقع لأصل ومصدر هذه المرتبات وحتى وان صرفت من بند واحد أو ثلاثة او حتى عشرة، فلا فرق طالما والدولة مفلسة حد العجز عن صرف المرتبات كبند رابع وأخير من بنود اي موازنة حكومية، باعتبار بقية البنود الأخرى المتعلقة بالمشاريع التنموية والاستثمارات والنفقات معطلة اساسا بفعل الوضع الاقتصادي الكارثي الذي يمر به البلد منذ تسع سنوات عجاف بنت كلب.
وعليه فان إقرار الرئيس العليمي امام العالم في كلمته باجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة بأن الحكومة الشرعية وصلت حد العجز عن صرف مرتبات الموظفين لولا المنحة السعودية الإنقاذية، يجعلنا نجزم وندق ناقوس الخطر بأن مرتبات الموظفين قد تتوقف بعد شهرين أو ثلاثة مالم يستأنف تصدير النفط الموقوف من قبل الدول الكبرى وليس الحوثي في الحقيقة ولاعتبارات ومصالح تخص الكبار باليمن.
وكون المرتبات أصبحت اليوم مرهونة لأول مرة في تاريح اليمن، بمنحة خارجية فقدت أكثر من نصفها حتى الآن ببند المرتبات والنفقات الحكومية
وفي وقت ماتزال فيه النقابات العمالية الجنوبية مشغولة برفض صرف المرتبات عبر البنوك وكانها سابقة كارثية لم يخلق مثلها في العالم اجمع، وتتجاهل انها بعد كم شهر سيبحثون عن فتات رواتبهم حتى من هدهد سليمان او ناقة نبي الله صالح.. والسلام على كل من يفكر بعقله ومنطقية واقعة.
ومن الأهون على أي دولة محترمة ان تعلن افلاسها وعجزها عن صرف المرتبات، لا ان تستجدي منحة خارجية مشروطة لصرف المرتبات.