عشرون يوماً في عدن (2)
في طابور الجوازات اختطف أحد الضباط ذوي الزي المدني جوازات ألأسرة وقال لي: تعال يا دكتور، ومد الجوازات لزميله الذي يفحص الجوازات لختمها وحينما شعرت بالحرج بسبب وجود أسرة وفتاة أمامي، قلت له نحن في الطابور، فرد علي:
نحن نستعجلك مش على شان أنت دبلوماسي أو عضو مجلس نواب ولكن لأنك مريض وعندك فشل كلوي، وصعب تنتظر، حاولت إقناعه إنني بخير وسأنتظر دوري حيث لم يبق أمامي إلا القليل لكن الفتاة لتي أمامي قالت:
تفضل يا عمو ما فيش مشكلة.
قلت لها مازحاً:
خافي الله!
تقولين علي عمو!
ألا تلاحظين أنني ما أزال شباباً بسن أجدادك؟؟
ابتسمت بتكلف وكان الضابط قد خَتَم الجوازات لأمضي باتجاه استلام الحقائب.
هناك كان أحد الشباب قد أخذني بالأحضان وعرفني عن نفسه بأنه من أبناء إحدى المديريات الشرقية لمحافظة أبين وأنه قريب أحد الأسماء الذي قال إنه يسلم عليَّ، . . . فشكرته وسألته عن أحوال قريبه وطلبت منه أن يبلغه تحياتي،
راح الشاب يتابع عملية استلام الحقائب ويوجه العاملين بتسهيل إنها موضوع العفش. . . وحينما قابلته في طريق العودة شكرته على موقفه وقلت له أنني سأكتب هذا في تدويناتي فطلب مني عدم ذكر اسمه في ما سأدونه.
* * *
لا أرغب في تصوير مشاعري بأنني كنت في غاية الشوق وللهفة لمعانقة تراب وهواء ونسيم عدن، على إنه تجاهلٌ للتعقيدات والمصاعب وحتى الأخطار التي حدثني عنها وحذرني منها الكثيرون من الزملاء، ولكن الحقيقة التي لا أستطيع إخفائها أو القفز عليها وهي أنني منذ ملامسة قدميَّ لتراب عدن قد شعرت بقدر من الأمان واللهفة والحالة الانفعالية الإيجابية تجاه الوضع الذي عشته منذ اليوم الأول لوصولي عدن بصحبة زوجتي وولديَّ.
* * *
هزي بجذع النخلة السمحاء
يا أيقونة الفقراء
والتحفي سماحتك الأثيرة
فالسكاكين التي تنهال
فوق أديمك المسكون
بالحب المكابر والنقاء. . .
صدئت ولم تبلغ مرامات الأُلى
غدروا بحبك وارتضوا
بيع الطفولة والرجولة والولاء
هرمت مطامعهم
ولم يهرم جماح الحب في أفياء قلبك،
بعدما ولى عتاة القوم
مندحرين من أرض البساطةِ
والسماحةِ والعطاء
* * *
فاتتني الإشارة إلى أنه كان من المفترض أن نسافر من القاهرة يوم 26 من يوليو لكنني طلبت من مدير مكتب اليمنية في القاهرة الأخ عبد لله صالح أن يتكرم بتمكيني من تقديم السفر على أي وقت لعدم حاجتي للبقاء في القاهرة وقتاً أطول، وقد استجاب لرجائي مشكوراً وقال لي أن رحلة الغد (الجمعة) في الساعة العاشرة والنصف وطلب مني التوجه إلى المكتب في شارع طلعت حرب بعد أن تتصل بي إحدى العاملات في المكتب لتعطيني العنوان بالضبط،
وقد كان لي هذا وهنا أسجل التحية للأخ عبد لله ولطاقم اليمنية العاملين في المكتب لسرعة إنجاز المعاملة، لكن أكثر ما حفزني على التعجيل هو كما قلت الرغبة في الاشتراك في الفعالية التضامنية مع أهالي المقدم علي عشال الجعدني، والتي ستتم اليوم الثاني لوصولي، وقد أشرت إلى الأسباب التي منعتني ممن المساهمة فس الفعالية، وكنت قد سبق وإن كتبت: إن هذه التدخلات والحملات التحريضية تمثل إفساداً لعدالة قضية عشال وتتويهاً لمتبنييها والانحراف بمضمونها الإنساني العادل باتجاه تسييسها وتسخيرها لأغراض غير عادلة وغير نبيلة.
وعلى العموم فقد علمت أن الفعالية سارت بهدوء، وسلام ، وكان الأخ عيدروس الزبيدي نائب رئيس المجلس الرئاسي قد وجه أجهزة الأمن بحماية الفعالية وتسهيل تنفيذها لولا ما صاحبها من تشهير إعلامي وحملات تضليل من قبل أناس ومواقع إعلامية ليست بريئة من سوء النية، وما حصل من اعتداء على رجال الأمن ما أدى إلى استشهاد أحد جنود الأمن.
وكنت قد تواصلت مع صحفيين ومشاركين في الفعالية للاطمئنان عما جرى بما في ذلك ما قيل إنه إجبار للمشاركين في الفعالية على السير من نقطة العلم، فأخبروني أن الجنود القائمين على نقطة العلم قاموا بالتفتيش الروتيني للجماهير المتجهة إلى عدن من ناحية محافظة أبين للتأكد من عدم وجود مسلحين بينهم، وهذا أمرٌ مبرَّرٌ ومفهوم فمشاركة مسلحين في فعالية سبقها حمله إعلامية من التعبئة النفسية والتحريض المنطقي سيعني اندلاع أعمال عنف لا يعلم عواقبها إلا الله.
بيد أن البعض قد قام بتحريض المشاركين على مغادرة المركبات والمضي سيراً باتجاه عدن مع تصوير هذه المسيرة ونشرها عبر وسائل التواصل الاجتماعي على غير حقيقتها، وقد تأسفت أن بعض النشطاء السياسيين المحترمين صدَّقوا هذه الفرية وراحوا ينددون بما أسموه إجبار المتجمهرين على الرحلة سيراً على الأقدام إلى موقع الفعالية في ساحة العروض بخور مكسر بينما انتظر الكثيرون استكمال عملية التفتيش وواصلوا رحلتهم على المركبات.
وللحديث بقية